ماذا يراد بمصر؟ : بقلم أ.د/محمد مختار جمعة وزير الأوقاف
ماذا يراد بمصر بعد كل ما قدمت وتقدم في مواجهة الإرهاب , وحرصها على أمن وسلام الإنسانية ؟! سؤال يطرح نفسه وبقوة , هل يريدون تركعيها ؟ فلن تركع , هل يريدون تخويفها ؟ فلن تخاف , هل يريدون خضوعها ؟ فلن تخضع , هل يريدون كسر شوكتها ؟ فلن تنكسر , هل يريدون انبطاحها ؟ فلن تنبطح , هل يريدون تحطيم إرادتها ؟ فلن تتحطم , هل يريدون امتلاك قرارها ؟ فلن يملكوه , هل يريدون تجويعها ؟ فلن تجوع بإذن الله تعالى , هل يريدون إذلالها ؟ فحاشا لله (عز وجل) الرحيم بها وبأهلها أن يمكنهم من ذلك .
القرار ليس بأيديهم , بل بأيدينا نحن , فالقرآن الكريم لم يربط النصر والصمود بقوتهم أو ضعفنا , إنما ربطه بإيماننا وصبرنا , وحسن اعتمادنا على الله (عز وجل) , فقال سبحانه : ” وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ” (آل عمران : 120) , وهو وحده القادر على تفريج الكروب , وتيسير كل عسير , حيث يقول سبحانه : “وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (الأنعام : 17) , ويقول سبحانه : “قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ” (الزمر : 38) , ويقول سبحانه : ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” (الطلاق : 2 , 3) , ويقول سبحانه : ” وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا” (الطلاق : 4) , ويقول سبحانه : ” مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” (فاطر : 2) .
لماذا كل هذا الضغط على مصر وهي صمام الأمان لأهلها , وأمتها , ومحيطها الجغرافي , وعمقها العربي والأفريقي , ولأمن وسلام العالم ؟! لم تكن يومًا ظالمة , ولا معتدية , ولا باطشة , ولا متغطرسة , ولا متجبرة , طبيعتها سهلة سهولة نيلها وانبساط أرضها , وقلوب أهلها صافية صفاء سمائها ومائها , سمت أهلها حب الخير للعالم وللإنسانية , حباها الله (عز وجل) برئيس له رؤية ثاقبة , محب لدينه , محب لوطنه , محب لأمته , متصالح مع نفسه ومع العالم كله , يسعى للخير والسلام , لا يعرف الظلم ولا العدوان ولا أكل حقوق الآخرين أو الاعتداء عليهم , يعمل ونعمل معه على ترسيخ ذلك حتى يصير ثقافة متأصلة ليس في مصر وحدها , بل نريده مبدأً إنسانيًّا , تتبناه بحق المؤسسات الدولية , والمنظمات الحقوقية والإنسانية , والمراكز الحضارية والبحثية والعلمية والتربوية , بما يسهم في تصالح العالم مع ذاته , ومع بعضه البعض , بما يحقق أسس التعايش السلمي الذي تسعى الأديان السماوية بفهمها الصحيح والأعراف الإنسانية السوية إلى تحقيقها وترسيخها , لتكون بديلاً للعداء والظلم والعدوان .
هل يريدون إسقاط مصر ؟ فلن تسقط بإذن الله تعالى , هل يريدون تفكيكها ؟ فلن تتفكك بإذن الله تعالي , لكن ماذا لا قدَّر الله لو أصابها سوء أو مكروه ؟ الإجابة وبكل دقة : سيختل ميزان المنطقة , ويندك عمود خيمتها , ويستأسد فيها الإرهاب ويجتاح العالم , مع تحذيرنا من أن الإرهاب إن لم تُجتث جذوره سريعًا في هذه المنطقة , فسيكون عصيًّا على غيرها , ممن لا يملكون القوة والجلد والفكر لمواجهته , وساعتها سيندم كثيرون حين لا ينفع الندم , ذلك أن الإرهاب لا دين له , ولا وطن له , وأنه يأكل من يأويه أو يدعمه إن اليوم وإن غدًا , أما الخونة والعملاء فسيكون مصيرهم مصير ابن العلقمي الخائن عميل التتار , فمن يخن أهله ودينه ووطنه لا يمكن أن يأمنه عدوه أو صديق , سواء من استخدمه أو من استأجره .
ويطيب لي أن أختم بأبيات حافظ في رائعته الدالية ” مصر تتحدث عن نفسها” , حيث يقول :
أنـــــا إن قـــدَّر الإلـــــه مماتـــــي |
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي |
مـــا رمــانــــي رامٍ وراح سليمـــــاً |
من قــديم عنايــــة الله جنــــــدي |
كــــم بغــت دولـة عليّ وجــــارت |
ثم زالــت وتلك عقبى التعـــــدي |
فمصر محفوظة بحفظ من قال في حقها ” ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ” لن تضار , ولن تضام , وستظل أمنًا أمانًا إلى يوم الدين بإذن الله تعالى.